أحمد مطر المدير
عدد المساهمات : 135 الرصيد : 29665 القوة : 0 تاريخ التسجيل : 24/09/2008 الموقع : http://salamy.us/
| موضوع: مقال عن أحمد مطر لـ مجلة الوطن العربي الأربعاء سبتمبر 24, 2008 4:01 pm | |
| بقلـم : رؤوف شحـوري - اقتباس :
- هذا شاعر لا يقف في "الطابور". لا يضيع في الزحام. لايشبه الآخرين. لم يحمل "كشة"، ولم يفتح دكانا ولا سوبر ماركت. ولا يبيع بضاعة من نوع الألف صنف وصنف. ولا يغريك بتنويع البضاعة ولا بالتّفنن في تغليفها بورق الهدايا وأشرطة الحرير الملونة. لايدعوك إلى قصيدة غزل في جلسة خبز وخمر وحشيش وقمر. ولا إلى قصيدة مدح على باب صاحب سلطان. ولا إلى قصيدة فخر " لنجهل فوق جهل الجاهلينا". ولا إلى قصيدة رثاء يلعب فيها دور النائحة لاستدرار الدموع. إنه خارج الطابور. يقف وحيداً في جانب، ويقف الشعراء جميعا في جانب آخر. متفرّد. متميز. استثنائي.
2 هذا شاعر لا يرتدي السموكن. لا يسكن القصور ولا يرتادها. لا يستلهم الوحي من تعاطي عقاقير الهلوسة أو كؤوس المنكر. لايملك رصيداً في البنوك، لكنه من أصحاب الملايين في بورصة الكلمة. لا يملك عقاراً محدداً بعينه، لكنه سجل على اسمه ملكية أراضي الأوطان العربية كلها في "السجل الشعري" لا في السجل العقاري. لايهوى السياحة والتنقل في مقاعد الدرجة الأولى، ولا يسافر إلاّ إذا كان مرغماً على التسفير، ولا يرحل إلا إذا كان مجبراً على الرحيل. ومع ذلك فهو يرحل كل يوم إلى كل الضمائر ويسافر إلى كل القلوب بجواز سفر اسمه " لافتات" ، أصدرته دولة اسمها الشعر، وختمته بخاتم إسمه الموهبة، وأرفقته بعبارة "رجاء تسهيل مهمة حامله"...
3 هذا شاعر يرتدي الملابس المرقطة. يسري ليلاً في مهمات غامضة. يرتاد أقبية المقهورين وكهوف المظلومين. يحاورهم. يأخذ منهم صكّ توكيل. يستجوبهم. ويحرر معهم وباسمهم مذكرات جلب وإحضار بحق المطلوبين إلى العدالة أمام محكمة التاريخ...فوراء كل مقهور قاهر. ووراء كل مظلوم ظالم. ووراء كل فقير ثري سرق منه حصته في الحياة. ووراء كل هزيمة "منتصر" يتمتع بالسلطة والجاه والثروة والشهرة.ووراء كل جدار مخبر. وتحت كل حجر تقرير سري إلى " سيدي الوالي المبجل ".
4 هذا شاعر يخوض وحيداً حرباً ضد كل قوى القهر باسم كل المقهورين دون أن يعقد حلفاً مع أحد. وهي حرب لا متناهية في القدم، لا متناهية في الإستمرار. خاضها قبل أن يولد ويتابعها بعد أن يرحل. لا هدنة فيها، ولا تسوية، ولا تنازل، ولا صلح، ولا اعتراف، ولا "كامب". وليس فيها إلا غالب ومغلوب، منتصر ومهزوم.
5 هذا شاعر انتحاري ذهب إلى الحرب متخليا عن الأسلحة التقليدية. لا مدفعية ثقيلة بعيدة المدى. ولا راجمات، ولا قاذفات عابرة للمحيطات، ولا صواريخ عابرة للقارات، ولا قنابل عنقودية أو جرثومية أو كيميائية أو ليزرية أو فراغية. يمتشق سلاحاً فتاكاً صنعه بنفسه، ويعرف سره هو وحده، ولا يحل شفرة معادلته وتركيبته غيره. يصنع كبسولات صغيرة من الشعر النووي شديد الإنفجار، والقصائد المفخخة، يوزعها بعناية على أهدافه الإستراتيجية...واحدة تحت كل عمود من عواميد "الأنظمة"، وواحدة تحت كرسي "الرقيب"، وواحدة خلف مقعد "الوالي"، وواحدة يدسها سراً في جيب "المخبر" السري، وواحدة قرب جدار "السجان"، وواحدة في " جبن الإنسان"، وواحدة في حقيبة " القائد العميل"، وفي حلوق أبطال النفاق، وفي فوهة " كاتم الصوت "، وفي جعبة "الجند" الذين أطلقوا سراح الجثة وصادروا الرأس فقط...وواحدة يخصصها أيضاً لهدف لا يخطر على البال...
(...لعنتُ كل شاعرْ
يغازلُ الشفاه والأثداء والضفائر
في زمن الكلاب والمخافرْ
ولايرى فوهة بندقيةٍ
حين يرى الشفاه مستجيرهْ!
ولا يرى رمانةً ناسفةً
حين يرى الأثداء مستديرهْ!
ولايرى مشنقةً .. حين يرى الضفيرهْ!
**
في زمن الآتينَ للحكم على دبابة أجيرهْ
أو ناقة العشيرهْ
لعنتُ كل شاعرٍ
لايقتني قنبلةً
كي يكتب القصيدة الأخيرهْ! )
ولكن ماذا عنك أنت أيها الشاعر أحمد مطر؟ يجيب:
( قلمي وسط دواة الحبر غاص
ثم غاص
ثم غاصْ.
قلمي في لجّة الحبر اختنقْ
وطَفَتْ جثّتهُ هامدةً فوق الورقْ
روحهُ في زبَد الأحرف ضاعت في المدى
ودمي في دمهِ ضاع سُـدى
ومضى العمرُ ولم يأتِ الخلاصْ.
آه .. ياعصرَ القصاصْ
بلطةُ الجزّارِ لا يذبحُها قطرُ النـدى
لا مناصْ
آن لي أن أتركَ الحبرَ
وأن أكتبَ شعري بالرّصاصْ !) * مجلة الوطن العربي - باريس - العدد (29) الجمعة 2-10-1987 | |
|