أحمد مطر المدير
عدد المساهمات : 135 الرصيد : 29665 القوة : 0 تاريخ التسجيل : 24/09/2008 الموقع : http://salamy.us/
| |
أحمد مطر المدير
عدد المساهمات : 135 الرصيد : 29665 القوة : 0 تاريخ التسجيل : 24/09/2008 الموقع : http://salamy.us/
| موضوع: رد: مقال عن أحمد مطر لـ مجلة المنصور الأربعاء سبتمبر 24, 2008 3:54 pm | |
| - اقتباس :
- فما هي قضية أحمد مطـر ؟
قضيته تلخصها كلمة واحدة (الحرية) .. حرية الإنسان في أن يقول ما يؤمن به، ويعلن ما يراه، دون قيد أو خوف .. وإذا أردنا أن نستخدم المصطلحات السياسية فإننا نقول إن قضية الشاعر هنا هي ( الديموقراطية وحقوق الإنسان) .
وهذه القضية الرئيسية هي مصدر الإنفجار الشعري عند أحمد مطر .. فلن يكون هناك مجتمع عربي سليم إلا إذا تحققت حرية الإنسان، ولن نتخلص من قيود التخلف والإستعمار بإشكاله المختلفة، ولن نقضي على مرارة الهزائم التي تلاحقنا من ميدان إلى ميدان ومن عصر إلى عصر إلا إذا تحققت هذه الحرية للإنسان العربي، فلا يحس في عقله وقلبه بأن هناك من يهدده أو يخيفه أو يتوعده بأن يدفع ثمن حريته .. إن الشاعر هنا لا يريد أبداً أن يكون الإنسان العربي مجرد صدى لرأي قاهر أو قوة مخيفة يردد ما يقال له ترديداً أعمى، ولا يخرج على نطاق الحدود التي ترسمها له هذه القوة المفروضة عليه.
إن القضية المحورية في شعر أحمد مطر هي حرية التعبير عن النفس بلا خوف من العقاب.. ولقد تحولت هذه القضية عند الشاعر إلى كابوس عنيف شديد القسوة، فشعره يقوم على رفض كل قيد يعوق استقلال الإنسان العربي وحقه في النقد والإعتراض، والشاعر يدرك أنه لا يستطيع أن يقول شعره داخل العالم العربي بهذه الحدة وهذا العنف، ثم يعيش بعد ذلك آمناً ، ولعل الشاعر هو واحد من المؤمنين بكلمة " جوركي " التي يقول فيها ( لقد جئت إلى العالم .. لأعترض ).
وهذا الكابوس الذي يحمله أحمد مطر -كالجمرة- في روحه وشعره، هو الذي دفعه إلى كتابة قصيدته " مدخل " التي قدم بها ديوانه الشعري المثير " لافتات " ، وفي هذه القصيدة يقول عن قصائده " السبعين " التي يضمها ديوانه :
سبعون طعنةً هنا موصولة النزفِ
تُبـدي ولا تخفي
تغتال خوف الموت في الخوفِ
سميتها قصائدي
وسمها يا قارئي : حتفي
وسمّني منتحراً بخنجر الحرفِ
لأنني في زمن الزيفِ
والعيشِ بالمزمار والدّف
كشفت صدري دفتراً
وفوقـهُ ..
كتبتُ هذا الشعر بالسيفِ !
والقصيدة كما هو واضح تصور " جواً مأساوياً " ويكفي أن نلتفت إلى " قاموسها اللغوي " لنجدها مليئة بألفاظ مثل : الطعنة، النزف، الخنجر، الإغتيال، الموت، الإنتحار، الخوف، السيف. كل ذلك رغم أن القصيدة لا تزيد على أحد عشر بيتاً .
وقضية الحرية عند الشاعر تتصل أشد الإتصال بما عاناه العقل العربي والوجدان العربي من شخصية " الرقيب " ، وهو ذلك الكائن المفترس، الذي تعود على أن يحذف كل كلمة تثير الشك أو توحي بالمعاني الحرة التي لا يرضى عنها الرقباء الأشداء، ومن كثرة ما عانى الإنسان العربي من هذا كله أصبح الرقيب كائناً داخلياً، يعيش في عقل الإنسان وقلبه ، ويشاركه في الطعام وغرفة النوم. وهنا نجد تجسيداً فنياً جميلاً لحالة الإنسان الخاضع للرقابة والقهر العقلي والنفسي في قصيدة أحمد مطر التي يقول فيها :
قالَ ليَ الطبيب
خُذ نفساً
فكدت - من فرط اختناقي
بالأسى والقهر - أستجيب.
لكنني خشيت أن يلمحني الرقيب
وقال : ممَ تشتكي ؟
أردتُ أن أُجيب
لكنني خشيت أن يسمعني الرقيب
وعندما حيرته بصمتيَ الرهيب
وجّه ضوءاً باهراً لمقلتي
حاولَ رفع هامتي
لكنني خفضتها
ولذت بالنحيب
قلت له : معذرة يا سيدي الطبيب
أودّ أن أرفعَ رأسي عالياً
لكنني
أخافُ أن .. يحذفه الرقيب !
فالرقيب عند أحمد مطر لا يحذف الكلمات فقط، ولكنه يحذف الرؤوس أيضاً.
والرقيب ليس شخصاً ولكنه " حالـة " يعيش فيها الإنسان العربي ويئن تحت وطأتها ويعاني منها أشد المعاناة، وهذه الحالة هي بالنسبة للشاعر أحمد مطر موقف ماساوي كامل يشل الإنسان ويحول بينه وبين ممارسة دوره في الحياة، فكيف يمكن لإنسان خائف مشكوك في أمره، مراقب من الداخل والخارج على الدوام، أن ينتج أو يساهم في بناء الحضارة ؟
وهذه الصوة المأساوية الكابوسية هي التي يصورها أحمد مطر مرة أخرى في قصيدته " صدمـة " حيث يقول :
شعرتُ هذا اليوم بالصدمه
فعندما رأيتُ جاري قادماً
رفعتُ كفي نحوهُ مسلماً
مكتفياً بالصمت والبسمه
لأنني أعلم أن الصمت في أوطاننا .. حكمـهْ
لكنهُ رد عليَّ قائلاً :
عليكم السلام والرحمـه
ورغم هذا لم تسجل ضده تهمه .
الحمد لله على النعمـه
مـن قال ماتت عنـدنا
حُريّــة الكلْمـهْ ؟!
إن الشاعر هنا يعيش في صراع حاد بين إصراره العميق على أن يكون مستقلاً يعبر عن نفسه بحرية وصـدق، ودون أن يشعر أنه مجرد كائن يتلقى أوامر وتعليمات عليه أن ينفذها رغم إرادته ودون تفكير .. يعيش الشاعر في صراع بين هذه الرغبة العميقة في داخله وبين ما يمكن أن نسميه باسم " أدب الدعاية" الذي يتحول فيه الفنان إلى أداة يستخدمها الآخرون ويوجهونها، والشاعر هنا يدرك صدق ما قاله الروائي الإنجليزي " جورج أورويل " من أن كل الدعاية كذب حتى عندما ينطق الداعية بالصدق . وهذا الصراع بين " الأدب الصادق " و "الدعاية " .. هو مشكلة حقيقية يعاني منها الفن العربي المعاصر أشد المعاناة، وهي معاناة ظاهرة يحس بها الجميع ، وليس أحمد مطر في شعره الغاضب المتألم إلا ثمرة حية من ثمار هذه المعاناة. إن الفن العظيم يرفع صاحبه إلى مستوى القيادة، ومن هنا فإن الفنان الحقيقي لا يمكن أن يكون تابعاً على الإطلاق، لأن حالة التبعية هذه تتناقض جوهرياً مع روح الفن .. والفن العظيم المؤثر لا يولد إلا إذا كان الفنان حراً، وكانت حريته هذه عميقة في داخله، بحيث لا يشعر أن أحداً يفرض عليه شيئاً أو يخيفه أو يؤذيه، فلحظة الإبداع الفني هي نفسها لحظة الحرية في داخل الفنان .. وإذا عجزت المجتمعات أو النظم السياسية عن فهم هذه الحقيقة فإن الفن يتدهور وينهار ويضيق أمامه الأفق إلى أبعد الحدود، أما الحضارات التي تقدر هذا المعنى الكبير، وهو أن الفن حرية داخلية عند الفنان، لا تحيط بها قيود أو مخاوف ومحاذير، فأن هذه الحضارات هي التي تنعم بالفن العظيم القادر وحده على التاثير في الإنسان .. ولقد فشلت كل المؤسسات التي حاولت أن تجعل من الفنان أداة تابعة في أن تخلق أدباً رفيعاً له قيمة حقيقية، وقد فشلت هذه المؤسسات في جميع أنحاء العالم، شرقاً وغرباً، سواء كانت هذه المؤسسات جمعيات رسمية أو منظمات سياسية أو أجهزة أمن. فالحرية واستقلال الفنان ثم انتماؤه الإختياري إلى ما يؤمن به من المواقف والقضايا والآراء .. تلك كلها شروط لا يولد بغيرها فن ولا يزدهر أدب أو ثقافة. | |
|
أحمد مطر المدير
عدد المساهمات : 135 الرصيد : 29665 القوة : 0 تاريخ التسجيل : 24/09/2008 الموقع : http://salamy.us/
| موضوع: رد: مقال عن أحمد مطر لـ مجلة المنصور الأربعاء سبتمبر 24, 2008 3:55 pm | |
| - اقتباس :
- *
ونواصل رحلتنا بعد ذلك مع أحمد مطر وشعره السياسي، فالشاعر السياسي، إلى جانب قضيته الأساسية، لابد أن تكون له صلة قوية مع جمهور من الناس يخاطبهم ويكتب لهم، بينما نجد الشاعر الذي تشغله أمور الفكر أو الفلسفة أو الحالات النفسية المعقدة، لا يعبأ كثيراً بالجمهور الكبير، وقد لا يحزنه أو يؤذيه أن يرى جمهور شعره قليلاً محدوداً، بل ربما وجد في الجمهور المحدود ميزة وقيمة .. فهو شاعر صفوة " ونخبة وأقلية ذات فكر رفيع وثقافة عالية " .. وعندما نقارن بين شاعر مفكر مثل " إليوت " وشاعر سياسي محرض مثل " مايكوفسكي " نحس بالفرق.. فقد كان " إليوت " في قصائده الكبرى مثل قصيدته " الأرض الخراب " يتوجه إلى الصفوة، لذلك لم يكن يعنيه أو يؤلمه أن تكون دائرة قرائه محدودة وضيقة .. بينما كان " مايكوفسكي " يلقي شعره في الميادين العامة ، يستمع إليه الآلاف من الناس ويتجاوبون معه ومع قصائده بحرارة، ومن هنا كانت علاقة الشاعر السياسي بجمهوره الكبير الواسع أمراً يفرض عليه العناية الشديدة بما أشرنا إليه من الوضوح، فلا يمكن مخاطبة الآلاف من البشر عن طريق الصور الغامضة والأفكار المعقدة .. ومن ناحية أخرى فلا بد للشاعر السياسي مادام يضع في حسابه الجمهور الكبير وضرورة مخاطبته والتأثير عليه أن يستخدم " موسيقى شعرية " ظاهرة، لأن الإيقاع الحاد هو عنصر أساسي من عناصر التأثير في الشعر السياسي ذي الجمهور الواسع العريض .
وهذه الملامح كلها متوافرة في شخصية أحمد مطر الشعرية . فبالإضافة إلى وضوح شعره فإنه يتميز بالموسيقى الحادة القوية والإهتمام بالقافية القاطعة العنيفة .. إن أحمد مطر لا يلقي شعره في الميادين العامة، ولكنه يفعل شيئاً مشابهاً، فكل أشعاره منشورة في الصفحة الأولى من جريدة صباحية يومية جنباً إلى جنب مع المقال السياسي وافتتاحية الجريدة التي تعلق فيها على الأحداث الجارية.
وهذا نموذج آخر من شعر أحمد مطر، يكشف لنا إلى جانب النماذج السابقة، ما في هذا الشعر من وضوح وسلاسـة وسهولة وتركيز وموسيقى حادة ظاهرة، ففي قصيدته " قلـم " يقول أحمد مطر :
جس الطبيب خافقـي
وقال لي :
هل هاهُنا الألـم ؟
قلت له : نعم.
فشقّ بالمشرط جيب معطفي
وأخرج القلم !
هـزّ الطبيبُ رأسهُ .. ومال وابتسم
وقال لي :
ليس سوى قلم
فقلتُ : لا يا سيـدي
هذا يـدٌ .. وفـم
رصاصـةٌ .. ودم
وتهمـةٌ سافرةٌ ..تمشي بلا قـدمْ !
فالقصيدة هنا واضحة، قصيرة، وشديدة التركيز .. موسيقاها يسيطر عليها الإيقاع العنيف والقافية الحادة، وهذه الخصائص كلها تسهل لهذا الشعر الإنتشار حتى لو تعرض للمصادرة، فمن السهل حفظ هذه القصيدة ونقلها من مكان إلى مكان عن طريق الرواية الشفوية.
**
نلتقي بعد ذلك بعنصر أخير هام في شعر أحمد مطر، ذلك هو العنصر الذي يجمع بين السخرية التي تشبه ما نسميه بالكوميديا السوداء، وبين الإدهاش ومفاجأة القارىء بالصور التي تصدمه فتوقظ عقله ووجدانه، وهو يعتمد في ذلك كله على كشف التناقض بين ما هو واقع وبين ما هو قائم في النفس والعقل، فالكرامة عندنا - كما هو مألوف - مقدسة ونبيلة، ولكن الشاعر، يصدمنا ويدهشنا ويجرحنا ويفاجئنا في قصيدته " طبيعة صامتـة " :
في مقلب القمامـه
رأيتُ جثـة لها ملامـحُ الأعراب
تجمعت من حولها " النسور" و " الدِباب"
وفوقها علامـه
تقولُ : هذي جيفـةٌ
كانت تسمى سابقاً .. كرامـه !
وفي قصيدة أخرى يقول بنفس الأسلوب والتركيز :
لقد شيّعتُ فاتنـةً
تسمّى في بلاد العُربِ تخريباً
وإرهابـاً
وطعنـاً في القوانين الإلهيـه
ولكن اسمها
واللـه
لكن اسمها في الأصل .. حريه !
إن أحمد مطر شاعر جديد يلفت الأنظارَ حقـاً، وهو مليء بالغضب الساطع الصادق ضد ما يعانيه الإنسان العربي من قهر وظروف قاسية، فأحمد مطر هو ثمرة الوضع الذي جاع فيه العربي في المخيمات الفلسطينية حتى أكل لحم القطط والكلاب، وأوشك أن يأكل لحم أخيه ميتاً، والشاعر هو ثمرة الإغتيالات التي يتعرض لها المثقفون والمفكرون وأصحاب الراي، منذ أن قتل الفنان غسان كنفاني في انفجار سيارته التي كان يقودها في الطريق إلى عمله، إلى أن قتل الناقد الباحث حسين مروة وهو في السابعة والسبعين من عمره بين أولاده وزوجته، عندما دخل القاتل عليه بيته وأطلق الرصاص على صدره وأهل البيت ينظرون في ذهول إلى ما يجري أمامهم .. .. .. وهو ثمرة هذا العصر الذي يموت فيه الآلاف من العرب - بسبب الجفاف - بحثاً عن قطرة ماء يشربها الظمآن ، وطلباً لقطعة خبز يأكلها الجائع.
إنه شاعر مأساة حقيقية .. وهو يصرخ بشعره في البرية .. طلباً للكرامة والحرية .. ولعل شعره الصادق الصارخ يكون إنذاراً بوضع حد للمأساة التي يعيشها الإنسان العربي.
وبعد .. فإن ديوان لافتات لأحمد مطر لم يدخل سوى عاصمتين عربيتين فقط من بين اثنتين وعشرين عاصمة، فقد طبعته الكويت وسمحت له القاهرة بالدخول .. ويوم أن يتاح لمثل هذا الشعر أن يدخل كل العواصم العربية فسوف يكون ذلك إشارة إلى أن عصراً عربياً جديداً قد بدأ . * مجلـة المصـور - القاهرة- 17-4- 1987 | |
|